تحضرني الآن الجملة الخالدة للرئيس المصري
الراحل محمد أنور السادات التي بدأ بها خطبته أمام الكنيست الإسرائيلي بعد نصر
السادس من أكتوبر من عام 1973 " أقف اليوم على قدمين ثابتتين ". لقد
شهدت البحرين منذ الرابع عشر من فبراير و لمدة شهر كامل مجموعه من الأحداث
المتتالية انتهت بدخول قوات درع الجزيره للبحرين و نزول قوة دفاع البحرين
بمدرعاتها لإعادة سيطرة الدولة على دوار مجلس التعاون (دوار اللؤلؤة) وعدم السماح
بالتظاهر و إقامة المسيرات من خلال إعلان حالة السلامة الوطنية و حظر التجول في
الرابع عشر من مارس 2011.
ولا يمكن بطبيعة الحال فصل ما حدث في البحرين
عن ما حدث في مصر وتونس. و بالأخص ما حدث في مصر حيث تمت محاولة نقل التجربة
المصرية مع بعض التجارب الأخرى في العراق وإيران من أجل إسقاط النظام من خلال
اعتصام المتظاهرين في دوار مجلس التعاون و المشهور بدوار اللؤلؤة و تجمع رموز
القوى السياسية المعارضة فيه .
إنَّ المعارضة البحرينية جانبها الصواب في
نقل التجربة المصرية لاختلاف كلي ما بين الحالتين من خلال تحليلي المتواضع التالي:
أولا: بدأت الثورة المصرية في الخامس و
العشرين من يناير وهو عيد الشرطة والتي تمثل لجموع الشعب المصري رمز القمع و
الطغيان والظلم والتلفيق والتزوير وتعذيب السجناء ، مما جعل الشعب المصري يكن
للشرطة عداء وكرها تراكم لعقود طويلة جعل من موعد الثورة المصريه صرخة ضد إهانة
الكرامة المصرية. أما البحرين فكانت بداية الاحتجاجات في الرابع عشر من فبراير وهو
موعد الاستفتاء على ميثاق العمل الوطني الذي يمثل توافق الشعب البحريني والذي جاء
التصويت عليه بنسبة 98.4% وبدء مرحلة الإصلاح السياسي وتكوين مجلسي الشورى والنواب
وتكوبن الجمعيات السياسية وبدء صفحة جديدة مع الجميع وعودة المنفيين من الخارج وإلغاء
أمن الدولة وفتح باب حرية الصحافة وما تبعها من إصلاحات مختلفه تمثل تجربة فريدة
ليس في الخليج فقط بل في العالم العربي والاسلامي ومنطقة الشرق الأوسط.
ثانيا: الثورة المصرية ضمت الجميع مسلمون
ومسيحيون و لم نشهد خلالها أي صورة من صور الهلال مع الصليب التي كانت تقدم قبل
الثورة و لكن انضم المصريون كلهم تلقائيا متوحدون من أجل إسقاط النظام والإطاحة
بمبارك، بينما شهدت البحرين انقساما بين مؤيد للنظام من أغلبية سنية متمثلا في
تجمع الوحدة الوطنية بقيادة الشيخ عبداللطيف ال محمود ، ومعارض للنظام من أغلبية
شيعية متمثلة في السبع جمعيات المعارضة حيث اضفى هذا الانقسام على مسيرة
الاحتجاجات البحرينية طابعا طائفيا لم يكن بالمقدور الحيلوله دون وقوعه بالرغم من
تأكيد الجميع على الوحدة الوطنية.
ثالثا: لقد شهدت الثورة المصرية توحدا بين
جميع الأطياف السياسية و إن تقاعس البعض في البداية ربما خوفا من عدم نجاح الحركة
وحرصا منهم على عدم مواجهة النظام إلا بعد التاكد من المؤشرات العامة والتي تمثلت
في تصريح الإخوان المسلمون والسلفيون في عدم المشاركة ومن ثم تغير توجهها وشاركت
كما شارك جموع المصريين وكما قال الكاتب الساخر جلال
عامر المصريون توحدوا على كراهية النظام واختلفو في حب مصر. ولكن الوضع في البحرين مختلف تماما حيث ظهرت بوادر
الاختلاف بين المعارضة البحرينية جلية بين تيار متشدد و آخر معتدل _ أو هذا ما كان
يبدو لنا _ بين مطالب بسقوط النظام بمعنى إقامة جمهورية !!!
و آخر يطالب بإسقاط النظام بمعنى إقالة الحكومة و تنحي رئيس الوزراء عن منصبه و
إقامة مملكة دستورية بمعناها الأوروبي. لقد اثر هذا الاختلاف على الحركة و
نتج عنه عدم السيطره على الشارع
والمعتصمين في الدوار الأمر الذي أدى إلى ارتكاب المعارضه لأخطاء جسيمه ادت إلى
فشل حركتها وكشف مخططها وتآمرها على البحرين مع الخارج.
رابعاً: لم يكن للمعارضة المصريه أي دور بارز
في صنع سياسات الدولة و يتمثل ذلك في التزوير الفاضح والصارخ في انتخابات مجلس
الشعب الأخيرة (2010) لصالح الحزب الوطني وتهميش كل المعارضة بل وتأنيسها من خلال
التوغل الأمني وتدبير المكائد والانقسامات كما حدث مع حزب الغد وزعيمه الدكتور
أيمن نور والأحزاب الأخرى مثل التجمع والوفد والعربي الناصري وغيرها. بينما شهد المشهد السياسي البحريني دخول
المعارضة بقوة في مجلس النواب و فوزها بالأغلبية في المجلس النيابي السابق (2006)
و فوز جمعية الوفاق المعارضة في المجلس الحالي ب 18 مقعد. الأمر الذي يطرح تساؤلا
لماذا لم تحقق مطالب المعارضه من خلال نوابها في المجلس خلال الأعوام الماضيه؟
خامساً: إن مسألة التدخل الخارجي صعبة للغاية
في الشأن البحريني مع أنها دولة صغيرة إلا أنها تمثل مطمعا نظرا لموقعها الجغرافي
و تاريخ الاحتلال فيها والثروات الطبيعية متمثلة في النفط ، وكونها عضو في مجلس
التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ووجود الجارة إيران في الضفة الشرقية من
الخليج العربي. فالبحرين يوجد بها الأسطول الامريكي الخامس و مطامع الأمريكان في
منابع النفط والهيمنه على منابع الطاقة تمثل خطا أحمرا لا يمكنها التفريط فيه والإيهام
بأن البحرين ذات أغلبية سكانية شيعيه يتزعم حركتها إيران بعد الثورة الإسلامية
بقيادة الإمام روح الله الخوميني في عام 1979. و هنا بالطبع لا نشكك في وطنية
إخواننا الشيعه و لكن طبيعة المذهب الشيعي تضفي شيء من القدسية على علماءه مما
يمثل مخالفة أوامرهم أمرا غير مقبول. و هنا تكمن الخطورة حيث يكون التدخل الإيراني
في الشأن البحريني تدخل ديني مذهبي في المقام الأول يتبعه تدخل سياسي غير مباشر
عبر ولاية الفقيه التي أسسها الإمام الخوميني حتى ظهور الإمام المهدي المنتظر في
آخر الزمان كما يعتقدون. و أيضا المذهب الشيعي في اعتقادي هو مذهب سياسي بجانب
الدين حيث كان ظهوره نتيجة للخلاف التاريخي الإسلامي _ الذي اصطنعوه واعطوه أكبر من
حجمه_ حول
تولي أبوبكر الصديق رضي الله عنه خلافة المسلمين بدلا من الإمام على كرم الله وجهه
مرورا بمقتل أو بالأحرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام.
فبين إيران و أمريكا لا يمكن أن نتجاهل دور
السعودية والتي تمثل السُنَه وجبهة مواجهة المد الشيعي وتصدير الثورة الإيرانية في
المنطقة والتي لن تسمح على الإطلاق بحكم شيعي على أرض البحرين و ربما تبين هذا في
إعلان السعودية منذ الوهلة الأولى أن جل إمكانياتها تحت إمرة حكومة البحرين وبعد
ذلك أن البحرين بنتها الصغيرة ومن ثم تخصيص مبلغ 10 مليارات دولار على عشر سنوات
من خلال مجلس التعاون الخليجي مرورا بتكوين درع الجزيره ودخول قوات خليجية أراضي
البحرين لحفظ الأمن والأماكن العامة وأيضا تبليغ رسالة شديدة اللهجة إلى إيران في
حال فكرت أن تتدخل عسكريا في البحرين محاولة منها للسيطرة عليها أو منع العنف ضد
المعارضة والمتظاهرين السلميين كما يزعمون ويروجون.
و في المقابل شهدت مصر تدخلا خارجيا من
أوروبا والولايات المتحده للمطالبه بضرورة تنحي مبارك عن السلطه و إنشاء نظام
ديمقراطي وسعت الولايات المتحدة أن لا تعادي الثورة المصرية بل دعمتها بموقف سياسي
ربما خشية منها من تحول مصر من دولة مطيعه إلى دولة معادية مما يمثل ذلك من أثر
بالغ على الكيان الإسرائيلي والقضية الفلسطينية وقد بادر المجلس الأعلى للقوات
المسلحه بالتاكيد على احترام كافة المعاهدات الموقعه من قبل النظام السابق بعد
تنحي مبارك في 11 فبراير مطمئنا بذلك الجميع ولا يجب هنا تجاهل الغضب الشعبي
العربي اتجاه إسرائيل الذي ظهر جليا في مليونية الزحف لفلسطين وفي الغضب الشعبي ضد
حماقة إسرائيل على الحدود المصرية واستشهاد جنود مصريين والتي طالبو فيها بطرد
السفير الإسرائيلي من مصر.
سادساً:
إن الاختلاف في الظروف الاجتماعية والمعيشية والسكنية بين مصر والبحرين كبير ولكن لكل
من الشعبين مبرراته في الغضب ضد حكومته و كل له مطالب مختلفة. فبينما مصر تنتشر
فيها العشوائيات و الفقر والأمراض ويعاني الشباب من إيجاد السكن المناسب وغلاء
المعيشه ، مع وجود رجال الأعمال المليارديرات سكنة الفلل والقصور، ظهرت شعارات
الثورة عدالة ، حرية ، كرامة اجتماعية و اكتفى المعتصمون في ميدان التحرير بلقمة
خبز وجبن ووجبة الكشري المصرية الخالصة. على الجانب الآخر البحرين كدولة خليجية
بتروليه تتمتع بدخل للفرد أكبر من دخل الفرد المصري ولكن مقارنة بوضع البحرين ($40,400)في الخليج فتعتبر ذات دخل فرد قليل بالذات عند مقارنتها
بقطر ($145,300)
والكويت($51,700) _ الأرقام من موقغ _ CIA world factbook فخرج المتظاهرون يرفعون شعارات ضد
"المجنسين السياسين" وإن كان الشعار المرفوع لا يعبر عن ذلك مثل (بحرين
حره حره يا مجنس اطلع بره) وذلك اعتقادا منهم انهم ياخذون حقوقهم واموالهم و
يشاركونهم فيها وأيضا هتفو ضد عملية بيع المرفأ المالي بقيمة دينار واحد في إحدى
المسيرات ولا أدري شخصيا مدى صحته. واتسم الاعتصام في دوار اللؤلؤة بتوافر
المشويات والنفيش والشاورمة والتلفزيونات بل والشيشة أيضا !!!
بعد تحليلي المتواضع للأحداث في البحرين
بالمقارنة مع مصر يبقى في النهاية التدخل العسكري والفرق ما بين الجيش المصري
والجيش البحريني في احداث البلدين.
رفض الجيش المصري أوامر مبارك بسحق المعتصمين
في ميدان التحرير واكتفى بالمراقبة والحياد مع "هتاف المصريين الشعب والجيش
إيد واحده" إلى أن أعلن مبارك تنحيه من خلال نائبة عمر سليمان وتسليم مقاليد
الأمور في مصر بقيادة المشير طنطاوي والمجلس العسكري. وأصبح الجيش تحت قيادة
المجلس العسكري هو المهيمن على مقاليد الحكم وأفرج عن السجناء السياسيين ومازالت
محاكمات أزلام النظام مستمرة وفي انتظار المزيد. كما تمت الإطاحه بأحمد شفيق
وتعيين الدكتور عصام شرف رئيسا للوزراء بعد مطالبة شعبية له _ وإن كانوا الآن
يطالبون باستقالته _ وحل جهاز أمن الدولة.
بينما الوضع البحريني تدخل الجيش لضبط الأمن مرتين الأولى بعد فض الاعتصام في دوار مجلس التعاون من قبل الشرطة
ولم تكتمل بفضل تدخل ولي العهد وأمره بسحب جميع القوات من الشارع وبدء رحلة
الحوار مع المعارضة التي لم تبدأ وإعلان يوم حداد على الشهداء – والله له الفصل في
ذلك – حتى يوم 14 مارس عندما اجتمع المعتصمون الشباب أمام المرفأ المالي محاولة
منهم لمنع الموظفين من العمل مع إعطائهم وردة !!! وتم التعامل معهم من قبل
قوات الشغب وحدثت اشتباكات ما بين الطرفين تم الاعتداء فيها عليها على رجال الشرطة
ودهس اثنين منهم بالسيارات وغلق الشوارع التي تعتبر شريان قلب العاصمة المنامة
واحتلال مستشفى السلمانية الطبي الذي يعتبر أهم مركز طبي في البحرين مما أدى تزايد
المطالب الشعبية من أجل تدخل الحكومة والدولة بالحل الأمني بعد وصول الحوار إلى
طريق مسدود مما أدى إلى إعلان حالة السلامة الوطنية وتدخل الشرطة لفض اعتصام
الدوار بمساعدة الجيش الذي تزامن مع وصول قوات درع الجزيرة ، وبدأت حملة
الاعتقالات لقيادات المعارضة أو الخونة أو المجرمون سمهم ما شئت التي أدت مع
محاصرة المناطق ذات الأغلبية الشيعية من قبل قوة دفاع البحرين لمنع أي مظهر من
مظاهر التجمعات طبقا لقانون السلامة الوطنية.
إن الموقف الشعبي البحريني بالنسبة لتدخل
الجيش انقسم كالعادة بين مؤيد ومعارض. المؤيد الذي شعر بعدم الأمن وشاهد على العنف
الذي حصل من المتظاهرين وكان يحدث من قبل 14 فبراير في قطع الطرق وحرق الإطارات
والقمامة في الشوارع بدون رادع من الدولة. والمعارضه التي رفضت دخول قوات درع
الجزيره و اعتبرتها قوات احتلال أجنبية غازية واعتبرتها غطاء للقوات السعودية لقمع
المعارضة الشيعية داخل البحرين وطالبت بسحبها فورا من على الأراضي البحرينية
وطالبت بمقاومتها. في الوقت الذي ينفي فيه المسئولون الرسميون في البحرين مشاركة
القوات السعودية و درع الجزيرة في أي عملية داخلية.
وأدعو الله العلي العظيم أن تقف البحرين على
قدمين ثابتتين و يكفينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.
قولو آمين
No comments:
Post a Comment