Sunday, June 19, 2011

المعارضة البحرينية تحت المجهر


بعد شهر من المد والجزر (من 14 فبراير إلى 14 مارس ) بين الحكم متمثلاً في سمو ولي العهد والشعب متمثلاً في تجمع الوحدة الوطنية بقيادة الكتور عبداللطيف المحمود وبين المعارضة متمثلة في السبع جمعيات المعارضة والتي يعبر عنها في معظم الأوقات الشيخ علي سلمان، تدخلت قوة دفاع البحرين لحل الأزمة أمنياً وإخلاء دوار مجلس التعاون (دوار اللؤلؤة).
كان في إمكان المعارضة البحرينية تحقيق مكاسب كبيرة في حالة دخولهم للحوار بدون شروط مسبقة حيث صرح سمو ولي العهد أن البحرين لن ترجع كسابق عهدها مع عدم وضع أي سقف للحوار والمطالب. ولكن بقي العند مع الأمل والثقة من قبل المعارضة أنهم على مشارف حكم البلاد وأن هذه مجرد مناورات أو حيل لتأجيل وقت رحيل الحكم هو سيد الموقف مع التصعيد من قبل المعارضة من خلال المسيرات والاعتصامات التي انتهت إلى الوقوف أمام المرفأ المالي لمنع الموظفين من العمل من قبل بعض الشباب ومن ثم بدأت القبضة الأمنية التحرك.
لقد اخطأت المعارضة البحرينية في حق نفسها وفي حق من يواليها وفي حق البحرين في الآتي:

أولاً: عدم دخول الحوار
بعد اندلاع ما يسمى بثورة 14 فبراير وخروج العديد من المسيرات من القرى التي تمثل أغلبية شيعية انتهجت وزارة الداخلية العنف لقمع المسيرات مما أدى إلى وفاة 7 أشخاص وكانت هذه غلطة كبيرة من قبل الحكومة ومطلب من المعارضة!!! بشكل غير مباشر بالتأكيد ؛ لإعطاء المبررات لازدياد الاحتجاجات والاعتصام في دوار مجلس التعاون ورفع سقف المطالب حتى وصلت من مجرد تغيير الحكومة ورئيس الوزراء إلى رحيل آل خليفة عن الحكم وإعلان جمهورية على أرض البحرين بقيادة حسن مشيمع مع تضامن ضمني من الجمعيات السبع.

ثانياً: التصعيد الممنهج للمسيرات
نجحت المعارضة في الضغط على الحكومة مما أدى إلى الإفراج عن السجناء السياسيين وإصدار عفو ملكي عام عن الجميع بدون استثناء وخصم 25% من أقساط قروض الإسكان وتعيين ثلاثة وزراء من الطائفة الشيعية في وزارات الإسكان والصحه والعمل مع ضمان أمن المعتصمين في الدوار وعدم التعرض لأي مسيرة تقوم بها المعارضة متخذين من المعتصمين ورقة ضغط ومساومة مع الحكومة.
رغم ذلك اتخذت المعارضة اتجاه تصعيدي من خلال إقامة مسيرات إلى مبنى رئاسة الوزراء ومجلس النواب والمرفأ المالي – مسيرة الدينار - ، ووزارة الخارجية ومبنى الهجرة والجوازات ( للهتاف ضد المجنسين والتجنيس). أيضاً دعا رئيس جمعية المعلمين إلى إضراب المعلمين والطلبة في المدارس مما تسبب في توقف العملية التعليمية في المملكة وتسييس الطلبة في مختلف المراحل السنية من الإبتدائي إلى الجامعه و كانت هذه نقلة خطيرة سآتي لأهميتها بمزيد من التفصيل.
و اختتمت المسيرات بالدعوه للتوجه إلى الرفاع من أجل التوجه للديوان الملكي وقصر الصفره (قصر الملك). الجدير بالذكر أنَّ أهل الرفاع التي تمثل تجمع لأهل السنه رفضوا بشكل قاطع هذه المسيرات واعتبروها في محل عدوان على ساكنيها خاصة أنهم من الموالين للحكم وللملك ورئيس الوزراء مع إعلان رفض بعض القيادات في المعارضة لهذه المسيرات ولكن يبقى ما يجري على الأرض مختلف!!
شهدت مسيرة الديوان الملكي قبلها تحذيرات من قبل وزارة الداخلية وأطراف أخرى محاولة منها لإيقاف المسيرة مما تسببه من تهديد للسلم الأهلي وإضفاء الصفة الطائفية على حركة الاحتجاجات ولكن قوبلت بإصرار من المنظمين للمسيرة وشهدت هذه المسيرة اول احتكاك بين الشرطة والمتظاهرين لتفريقهم بمسيلات الدموع. وكان رد المتظاهرين التصعيد ايضا والذهاب لقصر الصفره في مسيرة بعنوان مسيرة الأكفان !!! ولم تكن مسيرة أكفان ولم يموتو بل قوبلو بالعصائر والماء.
كنت أظن أنَّ هذه المسيرة ستكون نهاية التصعيد حيث اثبتت الحكومة حسن النية ومحاولة تهدئة الأجواء وكان الرد الطبيعي من وجهة نظري هو قبول مبادرة الحوار وإيقاف التصعيد ولكن تم ما لم يكن في الحسبان حيث أعلن شباب ثورة 14 فبراير كرد على ما حدث في مسيرة الديوان الملكي الاعتصام أمام المرفأ المالي معلنيين أنهم لن يسمحوا للموظفين بدخول المبنى وممارسة أعمالهم مع التأكيد على سلميتهم وأنهم سيهدون الموظفين وردة في حال إصرارهم على دخول المبنى!!!
التصعيد زاد بطبيعة الحال حيث كان الامر قد فاق الحدود وتم التعدي بشكل صارخ ، صادم ، فج من قبل هؤلاء الشباب على حرية الآخرين ممن لا يرغبون في العصيان المدني ، الأمر الذي استدعى تدخل رجال الأمن لفض هذا الاعتصام بالقوة غير المسلحة بمجرد مسيلات الدموع والغازات وهنا كانت الكارثة حيث تم التحرك مع ربط الأحداث بشكل تصعيدي عنيف على اتجاهين في جامعة البحرين وفي منطقة المرفأ المالي والدوار.
أما عن المرفأ المالي والدوار فقد شهد مواجهات من المعتصمين والشرطة بل والاعتداء على رجال الشرطة ومن ثم قطع الطرق المؤدية إلى المرفأ المالي والدوار مع دخول درع الجزيرة وإعلان أنها قوات أجنبية غازية يجب مقاومتها، الأمر الذي دعا إلى إعلان حالة السلامة الوطنية (الطوارئ) بأمر ملكي من جلالة الملك ونزول قوة دفاع البحرين مع الشرطة لفض الاعتصامات في دوار مجلس التعاون ومستشفى السلمانية التي كانت تحت سيطرة المعارضة وتعرض العديد للتهديد بداخلها.

ثالثا: استغلال الوضع الإقليمي
إنَّ ما حدث في تونس شجع الشعوب العربية التي اعتقدنا انها ماتت على النهوض ضد حكامها في مصر واليمن وليبيا وسوريا والبحرين. لكن الوضع بالنسبة لي في البحرين وسوريا مختلفا عن بقية الدول. وهنا تهمني البحرين حيث تمتاز البحرين منذ تولي جلالة الملك بانفتاح سياسي وديمقراطي شهد له الجميع في العالم لدرجة تولي البحرين منصب نائب مجلس حقوق الإنسان في الامم المتحده في عام 2004 نتيجة لمبادرات المصالحة الوطنية وإنشاء ميثاق العمل الوطني وتعديل دستور 1973 واطلاق حرية تكوين الجمعيات السياسية والنقابات العمالية وتكوين المجلس الوطني الدي يضم مجلسي الشورى والنواب وتفعيل مبدأ فصل السلطات وحل جهاز أمن الدولة والعفو عن جميع المنفيين وعودتهم للوطن.
كل هذه الإجراءات تجعل من وضع البحرين مختلفا بسبب إنخراط جميع أطياف المجتمع في العملية السياسية ووجود المعارضة في الساحه بقوه بل وحوزتها على الأغلبية في البرلمان في 2006 و18 مقعد في البرلمان الحالي. ويأتي هنا السؤال ما هو الدافع والأسباب وراء حركة شعبية فئوية بهذا الشكل؟ لقد كان بإمكان المعارضة بكل بساطه طرح جميع المطالب في مجلس النواب وعلى القيادة السياسية في البلد من دون أن تراق نقطة دم واحدة والضغط على الحكومة من خلال اعتصامات ومسيرات تكون هي الورقة الأخيرة.

رابعا: تجاهل الطرف الآخر للمجتمع
لقد اعتبرت المعارضة نفسها المتحدث الرسمي باسم الشعب البحريني وتجاهلت الطرف الآخر بناء على تجارب تاريخية سابقة لم يكن للمكون السني البحريني دور سياسي أو تجمع شعبي يمثله ويمثل مواقفه ، حيث اعتقدوا أنهم خارج المعادلة نهائيا _ أي صفر - وستكون الساحة لهم فقط في مواجهة الحكومة. لكن كانت المفاجئة بعد الشعور بخطورة الأوضاع واختلافها جذريا عن طبيعة الاحتجاجات في العقود الماضية بظهور الشيخ عبداللطيف ال محمود كقائد لتجمع الوحدة الوطنية تحت شعار " نحن أيضاً لنا مطالب ". ومثــَّـل هذا التجمع ضربة قاسمة للمعارضة وأبرزت للدول العربية والعالم أنَّ القيادة البحرينية متمثلة في جلالة الملك والحكومة لها مؤيديها وهو تأييد حقيقي من الشعب وليس تأييد مصالح كما حدث في مصر على سبيل المثال مع نظام مبارك المخلوع.
هنا لا بد الاعتراف بحقيقة أن الجبهتين تحركت بشكل طائفي طرف معارض ذو اغلبية شيعية وطرف آخر ذو أغلبية سنية. من هنا جاءت خطورة استمرار الاعتصامات والمسيرات على اللحمة الوطنية خاصة في دولة صغيرة مثل البحرين لا تتحمل أن يكون فيها احتقان طائفي بسبب حماقات البعض والطمع في الحكم والسلطة. 


خامسا: تسييس التعليم
لقد ارتكبت المعارضة البحرينية حماقة ربما ليس لها مثيل من قبل عندما ادخلت الطلبة في المدارس بمختلف أعمارهم السنية للضغط على الحكومة والخروج في الشوارع مرددين شعارات سياسية وحتى داخل المدارس وأيضاً امتناع المعلمون عن الذهاب للمدارس في عصيان مدني. هذا العمل المشين في اعتقادي السبب الرئيس وراء اي احتقان شعبي حدث في البحرين حيث أن سلامة الأبناء وتعليمهم يمثلان خطا أحمرا لأولياء الأمور خاصة في ظل الشعارات التي رددها الطلبة ضد المجنسين بالذات ووجود حالات عنف في المدارس. وتمثل هذا الاحتقان في حادثة مدرسة يثرب وبعض مدارس مدينة حمد. 
أما جامعة البحرين فشهدت عنف غريب لم تشهده البحرين من قبل على مدار تاريخها بين الطلبة بدأت بمسيرات مناهضة للنظام و تهديد رئيس شئون الطلبة أن حياته وسلامته غير مضمونه !!! في حالة منعه للمسيرات ومحاصرة هؤلاء المتظاهرون لمبنى يدعى S20 وداخله طلبه والاعتداء على الشباب من الجنسين مما تسبب في مقتل بنت سنية _ للأسف اقول ذلك _ والكل تابع بالتأكيد الأسلحة البيضاء والسيوف التي كانت بحوزتهم مع دخول أشخاص من خارج الجامعة لإشاعة الفوضى والعنف.

سادساً: تسييس الصحة
في البداية تمثل مستشفى السلمانية في البحرين قلب ومركز العلاج للبحرينين حيث يتم تحويل المرضى من المراكز الصحية في المدن والمحافظات للسلمانية نظرا لتوافر المعدات المتقدمة فيها وتجهيزها لتلقي جميع الحالات، لذلك دخول مستشفى السلمانية التي تسيطر عليها عمالة شيعية سواء أطباء أو ممرضين في عمليات الاعتصام كان حماقة أخرى ربما اكبر من تسييس التعليم نظراً للحساسية الشديدة لمهنة الطب ووقوف حياة الإنسان تحت يدي الطبيب وهنا نبارك افتتاح مستشفى الملك حمد والتي ندعو القيادة البحرينية لبناء أو تجهيز المراكز الصحية في مختلف المدن البحرينية لاستقبال اي حالة حتى لا تتكرر غلطات الماضي ونبارك أيضا استلام قوة دفاع البحرين إدارة المستشفى.
لقد كانت مستشفى السلمانية المكان المركزي الثاني بعد الدوار للمعتصمين حيث أقيمت الخيام في موقف السيارات والمنشورات والخطب السياسية واعتصام الممرضين والأطباء وتجمعهم في منظر مخزي مخالف لقدسية مهنة الطب مما أدى إلى تعطيل الخدمات الصحية للمواطنين بل ووفاة إمرأة مصابة بالسكر لرفض المستشفى استقبالها والأكثر من ذلك استخدام المعارضة لسيارات الإسعاف في نقل الأسلحة والعتاد للمعارضة وشاهدنا كلنا سيارة الإسعاف التي دخلت جامعة البحرين لتوزيع الأسلحه البيضاء على المخربين. 
سادسا: التدخل الخارجي
إنَّ التدخل الخارجي كان واضحا جليا في الحالة البحرينية من خلال القنوات الشيعية وعلمائها خاصة من آية الله المدرسي القابع في العراق الذي وصل به المدى إلى تكفير آل خليفة حكام البحرين بل والتحريض على قتل الملك وتحريم أي شكل من أشكال التعامل معهم وتحريض شيعة البحرين على عدم التهدئة ظانا بأنها فرصة تاريخية للانقلاب على الحكم وبداية حكم شيعي في البحرين يتبع بطبيعة المذهب لإيران.
هذا مع وجود التدخلات الإيرانية المستمرة في المنطقة التي تعتبر نفسها حامية حمى الشيعة ، والتي تصدر منها التصريحات الواحدة تلو الأخرى عن حقها في البحرين وأنَّ البحرين المحافظة التاسعة عشر وتصريحات السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله ضد الحكم في البحرين. وقد ظهر التدخل الإيراني للعيان بعد دخول قوات درع الجزيرة للبحرين لاستتباب الأمن وإرسال إيران للأمم المتحدة برسالة تطلب فيها وقف التصعيد ضد الشعب البحريني وتطالب بسحب قوات درع الجزيرة من البحرين مع التكيز المتعمد على القوات السعودية.

إذاً لم تكن الاحتجاجات البحرينية وليدة الصدفة ولا مجرد احتجاجات أو ثورة كما يطلقون عليها قام بالدعوة لها مجموعه من الشباب على الفيسبوك كما يزعمون ولكنها ثورة أو بالأحرى محاولة للانقلاب على الحكم وانشاء جمهورية ولاية الفقيه تابعة لإيران مدبرة من قبل القيادات الشيعية في البلد بالتعاون مع الخارج ونرجع مرة اخرى لطبيعة المذهب الشيعي ودور المرجعيات فيه وتصدير الثورة الايرانية للخليج. 
لا بد من دول الخليج العمل على إجهاض المخططات الإيرانية في المنطقة والعمل على دراسة مخططات إيران وإنشاء مراكز دراسات استراتيجية لتحليل السياسات الإيرانية والمحافظة على اليقظة التي كانت سببها أحداث البحرين ونقول لعلي سلمان الذي صرح أن موعدنا مرة أخرى بعد عشر سنوات و إن عدتم عدنا.